فضاء حر

الحراكيون بين رئيسين شرعيين

يمنات
الحراكيون (الجنوبيون) الذين أخذوا قضيتهم إلى دهاليز فك الارتباط والتحرير والاستقلال، هم في مأزق كبير أيضا.
فك الارتباط، كما الفدرالية، أيديولوجيا في اليمن.
وزعماء الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، هم “الآباء المؤسسون” كليو القدرة. لا يشيخون أبدا، تماما كما صالح وعلي محسن والارياني وهادي… وحتى نهاية القائمة الذهبية اليمنية (التي تضم أولئك الذين احتفلوا قبل عامين باليوبيل الذهبي لاحترافهم النضال والسياسة).
هم كما الرئيس السابق صالح الذي لا يتصور “يمن” بدونه، لا يتخيلون “جنوب” بدونهم. صاغوا الجنوب على صورهم. وهم الآن يخوضون معارك دونكيشوتية عليه.
لا يستحون.
منذ 50 عاما وأكثر وهم في المنصات. يتشبثون بالميكروفونات. ويدفعون بالشباب الطيبين إلى الساحات من اجل تجديد أمجادهم.
تأملوا في وجوههم المتضغنة.
استخوذوا على السلطة ولم يخرجوا منها إلا في حروب أهلية أو انقلابات دموية.
ومن لم يحكم حمل في جوانحه حلم السلطة حتى على شبر من الأرض (هل تتذكرون السلطة التي اعلنها البيض في مايو 1994؟).
أنانيون، واستحواذيون، وهم النسخة الجنوبية من صالح وعلي محسن. لذلك يظهرون جميعا على المنصات في الجبهات اليمنية المتعددة.
يناضلون من أجل “جنوب”هم. لا جنوب اليمنيين او حتى “اليمن الجنوبي”.
لذلك هم يناضلون ضد بعضهم البعض.
يتنازعون على “الجنوب” الذي كان قبل 1990. وعلى “الجنوب” الذي كان قبل 1967.
لا يتصورونه من غيرهم.
هم الجنوب والجنوب هم.
وسيحلقون بعيدا من أجل استرداده، حتى لو لم يعد الجنوب جنوبا والشمال شمالا.
الانعزالية ليست نزعة بل بشر من شاكلة “القادة التاريخيين” الذين يهرولون من مطار إلى آخر طمعا في رضا ملك أو مرشد يعيد لهم عرش “الجنوب” الذي تهاوى بفعل حماقاتهم.
***
في القضية الجنوبية، هناك حرب مستعرة على احتكار التمثيل. وهذه الحرب تشمل أساسا أبطال الاستقلال الأول من مناضلي الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني. ويظهر في هامش الصراع منافسون مهمشون.
هناك اجماعات تستلفت الانتباه في اصطفافات الحراكيين. فرجال الجبهة القومية ما زالوا على عهدهم. لا يرون في الجنوب جنوبيين غيرهم. ومن هذه الزاوية يمكن ببساطة ان يتكتلوا ضدا على المهمشين الأبديين.
الجنوب هو “الجبهة القومية” التي آلت إلى حزب اشتراكي ورئيس شرعي وفخامة الرئيس وزعيم وقائد! هؤلاء عندما يتحدثون عن جنوب فإنهم يقصدون السلطة التي اطاحت بكل ما عداهم. وهم على الرغم من حروبهم الداخلية، موحدون ضد خصومهم الخارجيين (الرابطة وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي… الخ). ومن الظريف أن التصالح والتسامح عند هؤلاء ينحصر في_ أو أقله يتجه_ إلى احداث 13 يناير. والتصالج والتسامح هنا يعني أن ترفع صور زعماء هذه الاحداث متجاورة في الساحات، والاعتذارات اللفظية المغمسة بالنفاق والتعالي على الضحايا. لم يعتذر أحد عن جريمة. ولم يضغط أحد من اجل الكشف عن مصائر المختفين قسريا، ولم يقل أحد منهم أين هي المقابر الجماعية لضحايا الأحداث.
عدا احداث يناير التي تعني “الآباء المؤسسين” والتابعين الذين يتوزعون على الحزب الاشتراكي والجماعات الحراكية الهلامية، لا يحضر ضحايا آخرون إلا في باب “الشفاهة” محدودة التداول، في الصالونات والمجالس الخاصة.
***
ماذا لدى هؤلاء الذين سيلتقون في الإمارات العربية المتحدة من خيارات؟
إلى أن تتنزل معجزة سماوية أو مكرمة ملكية او أميرية أو مشيخية خليجية، فإن الخيارات محصورة في اثنين.
أمامهم خياران:
إما الانتظام في جبهة “الرئيس الشرعي” الذي كان نائبا للرئيس صالح، وإما الانتظام في جبهة “الرئيس الشرعي” الذي كان نائبا للرئيس صالح!
إما الرئيس الشرعي الذي يقيم، راهنا، في عدن، ويعاديه الحوثيون، حلفاء صالح.
وإما الرئيس الشرعي الذي كان يقيم في الضاحية الجنوبية، ويحالفه الحوثيون، حلفاء صالح!
***
بكلمة أخرى: إما الرياض التي دعمت الرئيس الشرعي في حرب 1994، وتدعم الرئيس الشرعي منذ 2012. وأما طهران التي دعمت الرئيس الشرعي الذي كان يقيم في الضاحية، وتعادي الرئيس الشرعي الذي يقيم في عدن.
***
ليس لي أن أنصح الحراكيين المشرذمين الذين أخذوا قضيتهم إلى خارج “المواطنة” في 2009، ويصرون على نهجهم الانعزالي المدمر، على المضي قدما في خط “الاحتمال” غير الممكن في “يمن” محكوم بالبقاء موحدا او بالتشظي، بدولة مواطنين أو بدويلات داعش والغبراء!
اليمن تغير كثيرا لكن المعمرين من قادته السابقين لا يتغيرون أبدا. لكأنهم أولئك الفتية الذين طلبوا الاستقلال في غمار الستينات مدعومين من مصر الناصرية ومن حركات التحرر الوطني والمعسكر الاشتراكي.
لم تتغير الا قسماتهم وملامحهم التي تكاد تختفي وراء التضغنات والشحوم المتهدلة.
يقاتلون التاريخ والزمن والتجاعيد في مستشفيات الجراحة التجميلية.
يقاتلون بالبسطاء والطيبين من اليمنيين المحبطين والمهمشين والمظلومين من قبل السلطات المتعاقبة في الداخل.
يقاتلون بالفقراء، هؤلاء الأثرياء الذين يؤجلون، مرة تلو أخرى، كتابة أو نشر مذكراتهم، لأنهم لا يشيخون أبدا كما تفيد صبغات الشعر، ولأنهم يوفرون لأبناء شعبهم مفاجأة جديدة!
ليس لأحد أن يدعي الحكمة في “يمن” محكوم بالمجانين، لكن هناك قولا مأثورا جديرا باستدعائه في هذا المقام، وهو “التكرار أم التعليم”.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى